يتواصل نزيف المياه من عين السخونة في منطقة بوعبد الله من معتمدية سوق الأحد بولاية قبلي، منذ أكثر من سنة، حيث تتدفق المياه الساخنة بدرجات حرارة تتجاوز 90 درجة مئوية، مُحدثة أضرارًا بالواحات والتربة، إضافة إلى تهديد المبرد المتهالك الذي أصبح خطر سقوطه قائمًا على الفلاحين والزوار
هذا الوضع لم يعد مجرد إشكال محلي محدود، بل تحوّل إلى أزمة، خاصة في ظل ما تعيشه تونس من شحّ مائي متزايد نتيجة التغيرات المناخية والجفاف المتكرر واستنزاف الموائد الجوفية فبلادنا تُصنّف اليوم من بين الدول الأكثر هشاشة في مواجهة أزمة المياه
خطر يهدد الواحات والسكان
الفلاحون في سوق الأحد أكدوا لنفزاوة عديد المرات أن الخطر لم يعد مقتصرًا على الواحات والنخيل بل طال مساكن المواطنين فالمياه المتدفقة من العين الساخنة ألحقت انجرافًا بالتربة والواحات التي كانت رمزًا للخصب والوفرة صارت اليوم مهددة بالجفاف في مفارقة موجعة بين فائض مياه مهدور ونقص في مياه الري
رئيس الجمعية المائية علي التومي، في تصريحات إعلامية حذر من أن استمرار الوضع قد يؤدي إلى كوارث بيئية وإنسانية، خاصة وأن “الحمّام” كما يسميه الأهالي بات خارج السيطرة في وقت تتراكم فيه الوعود دون حلول عملية ناجعة
النائب الطاهر منصور عبر صفحته على الفايسبوك أوضح أن العطب في بئر بوعبد الله تمت معاينته منذ سنة من قبل الفرق الفنية التابعة لوزارة الفلاحة، لكنه لم يُعالج بعد معتبرًا أن الوضع أشبه بكارثة بيئية تتفاقم يومًا بعد يوم كما حمّل وزارة الفلاحة مسؤولية هذا الإهدار الكبير للمياه في وقت تعيش فيه تونس على وقع شح مائي حسب تعبيره
إشكالية عامة تتجاوز بوعبد الله
العطب المسجل في عين السخونة ليس حالة معزولة فبحسب متابعات الجمعيات الفلاحية والفلاحين فأن عدد من الآبار بقبلي تواجه نفس الأعطاب بسبب انتهاء العمر الافتراضي للمبردات وإهدار كميات هائلة من المياه نتيجة غياب الصيانة الدورية
في زاوية العانس، تنشيق بشري، الدبابشة فطناسة، وزاوية الحرث، تضرر عدد كبير من أصول النخيل نتيجة المياه الساخنة التي كان يجب أن تبرد قبل وصولها إلى الواحة
في العتيلات بجمنة (قبلي الجنوبية) توقفت حياة الواحة العمومية التي أحدثت سنة 1985 على أكثر من 225 هكتار بسبب تعطل البئر الرئيسية
في بئر الرحمات، جفت المياه منذ سبعة أشهر تاركة الفلاحين في عزلة
في واحات استفطيمي وسعيدان (قبلي الشمالية)، وبئر CI 9 من أم الفرث والفوار المشهد يتكرر: مياه تضيع منذ مدة مقابل شح في الري
هذه الأمثلة ليست سوى جزء من خريطة واسعة لواحات تنهار بصمت ومياه باردة وساخنة مهدورة نتيجة غياب صيانة المبردات والآبار الحارة وتغيير المضخات والعيون وعدم توظيف المياه الساخنة بما يتماشى مع متطلبات التنمية المستدامة
تونس بين تحديات المناخ واستنزاف الثروات
الخبراء يؤكدون أن ما يحدث في قبلي ليس سوى انعكاس لواقع وطني أوسع حيث يواجه قطاع المياه في تونس ثلاث تحديات كبرى
التغيرات المناخية: ارتفاع درجات الحرارة وتواتر سنوات الجفاف
الاستنزاف المفرط للطبقات الجوفية، خاصة في الجنوب، دون تجديد طبيعي كافٍ
ضعف البنية التحتية وغياب برامج صيانة وتحديث حقيقية للمنظومات المائية
إن استمرار هذا الوضع يعني خسارة مزدوجة: إهدار ثروة مائية حرارية كان يمكن توظيفها في مشاريع سياحية أو طاقية أو علاجية من جهة، وتعميق أزمة الواحات التي تمثل إرثًا حضاريًا ومصدر عيش لآلاف العائلات من جهة أخرى
بين الوعود والانتظار
ورغم زيارات المسؤولين وتعهداتهم المتكررة بالإصلاح لا تزال العيون الحارة تنزف وتظل واحات قبلي شاهدة على مفارقة مؤلمة: مياه تتدفق بلا حساب فيما يرفع الفلاحون أصواتهم طلبًا لقطرات حياة
وفي ظل هذه الأزمة يطرح سؤال
“كيف يمكن أن تستمر واحات نفزاوة في الحياة بينما المياه الحارة تفيض بلا جدوى والعيون التي تنقذ الأرض والنخيل معدومة؟ هل سيبقى الفلاح وحيدًا أمام شح الماء وهدره أم أن هناك من سيتدخل قبل أن تتحول الواحات إلى ذاكرة منسية؟؟
[wpcd_coupon id=7268]

