تُمثل ظاهرة التجارة الموازية أحد أبرز التحديات الهيكلية التي يواجهها الاقتصاد التونسي والمجتمع بصفة عامة. ففي ظل تزايد نسب البطالة، خاصة في صفوف الشباب، وارتفاع الضغط الجبائي، تحولت التجارة الموازية إلى مورد رزق حيوي لشرائح اجتماعية واسعة، لكنها في المقابل تُشكل تهديدًا حقيقيًا لمنظومة الاقتصاد المنظم والتنمية المستدامة
: تجارة عشوائية تهدد الاقتصاد الرسمي
تمتد أنشطة التجارة الموازية لتشمل قطاعات متنوعة كالمواد الغذائية والفلاحية، الأدوات المدرسية، الملابس، والسلع الاستهلاكية الأخرى، وغالبًا ما تُعرض هذه السلع في أماكن غير مخصصة للتجارة، مما يُعقّد من مهام الرقابة، ويُعزز من المنافسة غير الشريفة. هذا الوضع يؤدي إلى إضعاف المؤسسات القانونية، ويُسبب نقصًا في العائدات الجبائية للدولة، ما يُعيق تمويل السياسات العمومية
: عوامل تفاقم الظاهرة
: ساهمت عدة عوامل في تفشي التجارة الموازية، أبرزها
- غياب التنمية الاقتصادية في المناطق المحرومة.
- الانفلات الأمني في بعض الفترات بعد الثورة.
- ضعف المنظومة القيمية والانزلاق الأخلاقي في التعامل مع القانون.
- غياب بدائل اقتصادية حقيقية للعائلات التي وجدت نفسها خارج دائرة الاقتصاد المنظم.
: تأثيرات اجتماعية واقتصادية سلبية
: رغم كونها تمثل مصدر دخل للعديد من العائلات، فإن أضرار التجارة الموازية تفوق منافعها على المدى البعيد
- تُضعف الثقة في المؤسسات الرسمية.
- تُعمق الفوارق الاجتماعية.
- تُعطل جهود التنمية الجهوية.
- تُشجع على الفساد والاقتصاد غير الشفاف.
: حلول متعددة الأبعاد
: معالجة الظاهرة تتطلب مقاربة شاملة ترتكز على ثلاث مستويات متكاملة
: الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية
- تحسين البنية التحتية في الجهات الداخلية.
- تشجيع الاستثمار المحلي وخلق مواطن شغل مستدامة.
- توفير نظام جبائي عادل وبسيط يُحفّز الاندماج في الاقتصاد الرسمي.
: التنظيم والتقنين
- تنظيم الأسواق الموازية تدريجيًا وتحويلها إلى أسواق قانونية مراقبة.
- تطبيق صارم للقانون وتفكيك شبكات التهريب والاحتكار.
- تسهيل النفاذ إلى التمويل، خاصة من خلال الآليات البديلة مثل التمويل الإسلامي والاجتماعي.
: الجانب التوعوي والثقافي
- إطلاق حملات إعلامية لترسيخ ثقافة المواطنة والالتزام بالقانون.
- إدماج التربية الاقتصادية والقيم المدنية في المناهج التعليمية.
- تحفيز الإعلام والمجتمع المدني على دعم الخيارات القانونية في الاقتصاد.
: التوازن هو التحدي الأساسي
يبقى التحدي الرئيسي في تحقيق توازن دقيق بين تقديم بدائل حقيقية للعاملين في التجارة الموازية وبين دعم الاقتصاد الرسمي وتثبيت قواعد الشفافية والعدالة الاقتصادية. وهذا التوازن لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إرادة سياسية ثابتة، تخطيط استراتيجي شامل، ومشاركة مجتمعية فاعلة

