يمثل الاستثمار في الريف التونسي خطوة استراتيجية لتعزيز الاقتصاد المحلي وتمكين الشباب في ظل التحديات التنموية والاقتصادية الراهنة. ففي عام 2024، سجل الاقتصاد الوطني نموًا بنسبة 0.6% فقط خلال النصف الأول من السنة، بحسب تقرير البنك الدولي، وهو ما يشير إلى وتيرة تعافٍ محدودة بعد سنوات من الضغوط الهيكلية والظروف الاقتصادية الصعبة. في هذا السياق، تبرز المناطق الريفية باعتبارها فضاءً واعدًا للاستثمار، نظراً لاحتضانها نسبة كبيرة من السكان واعتمادها الواسع على النشاط الفلاحي والأنشطة المرتبطة به كمصدر أساسي للدخل
الاستثمار في السكان والمجتمعات الريفية لا يعني فقط توفير فرص العمل، بل يشمل أيضًا تمكين الأفراد محليًا ودعم قدراتهم الإنتاجية. ومن بين المبادرات البارزة في هذا المجال، يواصل الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) دعم برامج تنموية تستهدف تحسين سبل العيش، عبر تقديم التمويلات التقنية والمالية لمشاريع صغيرة ومتوسطة، بما يسهم في توفير وظائف جديدة، ورفع مستوى الدخل، وتعزيز دور الريف كفاعل اقتصادي حيوي
على المستوى الوطني، تعمل الحكومة التونسية على دفع نجاعة الأداء الاقتصادي من خلال خطط وزارة الاقتصاد والتخطيط، التي تشمل تطوير المنظومة الإحصائية، وتفعيل برامج للتعاون الدولي والتمويل التنموي. ويواكب ذلك تخصيص اعتمادات مالية لفائدة الجماعات المحلية، تُمنح في شكل مساعدات سنوية تُحدد على أساس معايير ترتبط بعدد السكان والطاقة الجبائية لكل جماعة. هذه التدابير تُعزز من قدرة المناطق الريفية على تنفيذ مشاريع تنموية تستجيب لحاجياتها
إحدى الركائز الأساسية في تنمية الريف هي تحسين الوصول إلى التمويل والخدمات المالية. لذلك، أطلقت الدولة برامج لتعزيز الشمول المالي وتسهيل الولوج إلى البنوك والخدمات المصرفية، مما يُمكّن الريفيين من إنشاء مشاريعهم الخاصة وتنمية أعمالهم. ويتعزز هذا التمكين من خلال دعم خاص للشباب، عبر تقديم حوافز استثمارية في المشاريع الفلاحية المبتكرة، مثل الفلاحة العضوية أو التربية المستدامة للحيوانات، بالإضافة إلى دعم الصناعات المحلية التي تحول المواد الأولية الفلاحية إلى منتجات ذات قيمة مضافة
كما أن توفير برامج تدريبية في ريادة الأعمال والتقنيات الحديثة يسهم في تزويد الشباب الريفي بالمهارات الضرورية لإطلاق وإدارة مشاريعهم، وهو أمر بالغ الأهمية في سياق يسعى إلى جعل الريف مركزًا للإبداع والنمو الاقتصادي، بدلًا من أن يكون منطقة للهجرة نحو المدن
من جانب آخر، يُعد تحسين البنية التحتية من الشروط الضرورية لتعزيز الاستثمار في المناطق الريفية. فالشراكات بين القطاعين العام والخاص تلعب دورًا محوريًا في إنجاز مشاريع كبرى مثل توسعة شبكات الطرق، وتحسين الوصول إلى الكهرباء والمياه، وتوسيع تغطية الإنترنت، وهي عناصر تخلق بيئة استثمارية جذابة وتدفع الشباب نحو البقاء والاستثمار في مناطقهم الأصلية
يمكن القول إن الاستثمار في الريف التونسي لا يقتصر على النهوض بمجتمع محلي معين، بل يشكل مدخلًا لتحقيق تنمية وطنية أكثر توازنًا وعدالة. من خلال دعم الريف والشباب وتمكينهم اقتصاديًا، تبني تونس أسسًا قوية لاقتصاد مستدام وشامل، يعزز التماسك الاجتماعي ويرسخ مبدأ العدالة المجالية بين مختلف المناطق

