nefzawa.net

إصلاح النظام التعليمي في تونس: ركيزة لتعزيز فرص التشغيل في المناطق الريفية

يُعد إصلاح النظام التعليمي في تونس أحد المفاتيح الأساسية لتحقيق التنمية الشاملة، خاصة في المناطق الريفية التي تعاني من ضعف البنية التحتية التعليمية وارتفاع معدلات البطالة. هذه المناطق، التي تشكّل جزءًا مهمًا من النسيج الاجتماعي والاقتصادي للبلاد، تواجه تحديات كبيرة تتعلق بجودة التعليم وإمكانية الوصول إليه، مما يؤدي إلى فجوة واضحة في فرص التشغيل مقارنة بالمناطق الحضرية

في عام 2024، كشفت الإحصائيات أن 12% من المدارس التونسية، وخصوصًا في الأرياف، تفتقر إلى المياه الصالحة للشرب، وهو مؤشر صارخ على تدني جودة البيئة المدرسية. هذا الوضع لا ينعكس فقط على التحصيل العلمي، بل يؤثر أيضًا على الصحة النفسية والجسدية للتلاميذ، وخصوصًا الفتيات، اللاتي يعانين من نسب انقطاع مدرسي مرتفعة. هذا الانقطاع لا يحرمهن من التعليم فحسب، بل يحد من فرصهن المستقبلية في سوق العمل، ويكرّس الفجوة الجندرية في فرص التنمية

ومن أجل توجيه السياسات التعليمية بفعالية، أُطلق التعداد العام للسكان والسكنى لعام 2024، بهدف جمع بيانات دقيقة تساعد على فهم الحاجيات الحقيقية للمناطق الريفية. هذه المعطيات ضرورية لصياغة برامج تعليمية تستجيب للواقع المحلي، وتُسهم في تحسين نوعية التعليم وربطه بشكل مباشر باحتياجات سوق الشغل، خصوصًا في القطاعات الإنتاجية الحيوية كالفلاحة، التي تساهم بنسبة 12% من الصادرات الوطنية، وفق تقرير وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري

الفجوة بين المناطق الريفية والحضرية في فرص التشغيل لا تزال واضحة، حيث بلغت نسبة البطالة في الريف 18% مقابل 12% في المدن. هذا التفاوت يعود بشكل أساسي إلى نقص المهارات التعليمية والمهنية اللازمة لاقتحام سوق العمل المعاصر، الذي يتطلب تأهيلًا يتماشى مع متغيراته المتسارعة. لذلك، فإن إصلاح النظام التعليمي في الريف يجب أن يُبنى على استراتيجيات بعيدة المدى تركز على تحديث المناهج، وتضمينها مهارات تقنية ومهنية عملية، إلى جانب تطوير قدرات المدرسين، وتوفير حوافز ملموسة لاستمرار التلاميذ في الدراسة

التحدي الأكبر يتمثل في ضعف البنية التحتية التعليمية في المناطق الداخلية. فغياب المدارس المتخصصة، ومراكز التكوين المهني، والمرافق التربوية الداعمة، يُفاقم من ظاهرة التسرب المدرسي، التي بلغت في بعض المناطق نسبة 25%، وهي نسبة مقلقة تهدد مستقبل أجيال كاملة. لذلك، فإن التدخلات المطلوبة لا تقتصر على تحسين المباني أو توفير المعدات، بل تشمل أيضًا الجوانب الاجتماعية والنفسية التي تعزز الرغبة في التعلم وتُبقي التلميذ داخل المنظومة التعليمية

ورغم هذه التحديات، برزت تجارب محلية ناجحة تبيّن أن التغيير ممكن إذا ما توفرت الإرادة السياسية والدعم المؤسساتي. إحدى المبادرات الحكومية التي استهدفت تحسين جودة التعليم في 50 مدرسة ريفية سنة 2024، حققت نتائج ملموسة، تمثلت في تقليص نسبة التسرب إلى 10% فقط، ورفع معدل النجاح بنسبة 20%. هذا المثال يبرهن على أن الاستثمار في التعليم الريفي يمكن أن يكون له تأثير مباشر في تحسين فرص التشغيل، وتحقيق إدماج اقتصادي واجتماعي حقيقي لسكان الأرياف

في ضوء هذه المعطيات، يمكن القول إن إصلاح التعليم في المناطق الريفية لم يعد خيارًا، بل ضرورة تنموية عاجلة. فبناء منظومة تعليمية عادلة، دامجة وذات جودة، هو أساس لبناء اقتصاد مستدام يُمكّن الأفراد من تحسين أوضاعهم ويعزز من استقرار المجتمع ككل

Scroll to Top