nefzawa.net

صيف قبلي… حين تذوب الأحلام تحت لهيب الشمس

تقع ولاية قبلي في قلب الجنوب التونسي، حيث الصحراء تُبسط ذراعيها، وتُعانق الشمس الأرض من أقرب مسافة. تمتاز هذه الجهة بطبيعة صحراوية ومناخ جاف، لكن ما كان يُحتمل في السابق، لم يعد كذلك اليوم. فقد تغيّر المناخ، وتبدّلت الفصول، واشتدّت الحرارة حتى صار الصيف في قبلي لا يطاق. درجات حرارة تتجاوز الخمسين في بعض الأيام، جعلت من فصل الصيف اختبارًا قاسيًا للجسد والنفس معًا

صيف ولاية قبلي يكشف عامًا بعد عام عن هشاشة البنية التحتية الترفيهية في واحدة من أكثر الجهات التونسية تعرّضًا للعزلة والحر. وبينما ترتفع درجات الحرارة بلا هوادة، يبقى المواطن محاصرًا في دائرة مغلقة من الانتظار، دون حلول تنموية تُخفّف العبء أو تُحدث فرقًا يُذكر

ورغم ما تزخر به قبلي من جمال طبيعي وثراء ثقافي، فإن غياب الفضاءات الترفيهية يجعل من الصيف تجربة ثقيلة، تتداخل فيها العزلة مع الملل، ويختنق فيها الحلم في الزوايا المهملة. لا مسابح بلدية، ولا مراكز شبابية، ولا قاعات سينما تُنعش الروح وتكسر رتابة الأيام الحارقة. لا يتوفّر سوى عدد ضئيل من الحدائق الصغيرة، مثل ساحة المستشفى الجهوي أو بعض المساحات الخضراء في الأحياء، لكنها أشبه ببقع ظلّ في صحراء مترامية، لا تفي بحاجة السكان ولا تُرضي تطلعاتهم

في بعض القرى، يبدو المشهد أكثر خشونة وبساطة. لا أثر لحدائق أو مساحات للعب، ولا حتى لمظلات تُحاكي الشمس، فقط “عرق التراب” البارد هو الملاذ الأخير حين يسكن الليل. الأطفال يلعبون وسط الغبار، والشيوخ يلتصقون بجدران البيوت الطينية في انتظار نسمة، والعائلات تُحكم إغلاق الأبواب على حرارة لا تستأذن، فيما لا يجد الشباب من منفذ سوى المقاهي أو “الجوابي”، برك الماء التقليدية في الواحات، التي تحوّلت – رغم خطورتها – إلى بديل شعبي للسباحة والترفيه، وإلى نقطة لقاء تهرب فيها الأجساد من اللهيب، وتبحث الأرواح عن معنى للحياة

في الماضي، كان أجداد الجهة يواجهون حرّ الصيف بمروحة من سعف، أو بمروحة كهربائية بسيطة، تُحرّك الهواء وتحمله برفق إلى الجباه المتعبة. كانت مظلّة من سعق وقماش تكفي لخلق فضاء عائلي من الفرح البسيط. اليوم، تغيّر المناخ، وكأنّ الشمس اقتربت أكثر من اللازم، والمكيّفات نفسها لم تعد تُجدي أمام هذا التصعيد الحراري الذي صار حديث الناس في المقاهي والأسواق

ومع كل ذلك، تتكرّر مناشدات السكان للمسؤولين دون مجيب. الحديث عن بناء مسابح عمومية، مراكز شبابية مكيّفة ومساحا خضراء، لم يغادر حدود الوعود الرسمية. الوعود تتبخّر مع كل موجة حر، وتبقى الولاية من بين أقل الجهات من حيث عدد الفضاءات الثقافية والترفيهية لكل ألف ساكن، حسب المعهد الوطني للإحصاء، وهو ما يُعمّق الشعور بالإقصاء و”اللاعدالة الترفيهية” في عيون أهالي الجنوب

ولا يقتصر هذا النقص على ترفيه مؤجل، بل يتعدّاه ليؤثر على النسيج الاجتماعي والنفسي. الفراغ القاتل قد يقود بعض الشباب نحو سلوكيات محفوفة بالمخاطر، أو نحو الانقطاع المبكر عن الدراسة، بينما تعاني العائلات من مظاهر الضغط النفسي بسبب العزلة الطويلة والحرمان من الراحة

ومع كل هذا، لا يستسلم أهالي قبلي. يبتكرون ظلّهم بوسائلهم، يحوّلون فضاءات مهجورة إلى ملاعب، ويزرعون الفرح رغم القسوة. هناك إصرار جماعي على خلق لحظات حياة من العدم، ومقاومة صامتة في وجه مناخ يشتدّ، وتنمية غائبة، ووعود لم تُثمر بعد

[wpcd_coupon id=7268]

Scroll to Top