تُعدّ واحة العتيلات بجمنة من أكبر المآسي البيئية والاجتماعية التي عرفتها واحات النخيل بقبلي خلال العقود الأخيرة، حسب ما وصفها به النائب الطاهر منصور. الواحة التي أُحدثت سنة 1985 كمشروع رئاسي وعمومي، وكانت يومًا مضرب الأمثال في جودة تمورها وعائداتها الاقتصادية والاجتماعية، أصبحت اليوم أثر بقايا نخيل يحتضر تثير الكثير من الاستفهامات
من واحة مزدهرة إلى أراضٍ عطشى
هنشير العتيلات بجمنة كان واحدًا من أجمل واحات نفزاوة وأكثرها حيوية في جودة التمور ووفرة الإنتاج
كانت تمتد على مئات الهكتارات وتكسوها أشجار النخيل الباسقة التي تظلل الأرض وتمنحها خضرة دائمة، مياه الري تتدفق بسلاسة عبر السواقي يستغلها مئات الفلاحين
النخيل كان يثمر أجود أنواع “دقلة النور”، لتصبح الواحة مصدر رزق كريم وركيزة أساسية لاقتصاد عشرات العائلات، وكان الإنتاج السنوي يدر مداخيل تناهز 6 ملايين دينار، ما جعلها مثالاً ناجحًا لواحة عمومية قادرة على الصمود والمساهمة في الدورة الاقتصادية بالجهة
امتدت واحة العتيلات على أكثر من 225 هكتارًا، واستغلها حوالي 375 فلاحًا، وكانت مورد رزق لعشرات العائلات
لكن منذ سنوات، تدهورت الأوضاع بشكل كارثي مع التوقف التام لضخ مياه الري بعد انتهاء العمر الافتراضي للآبار المخصّصة للهنشير النتيجة: نخيل مات عطشًا، مقاسم مهجورة، وفلاحون أجبروا على ترك أراضيهم بعد أن فقدوا مصدر عيشهم الوحيد
زيارات ووعود… لكن دون أفق
لم تغب واحة العتيلات عن اهتمامات المسؤولين، فقد شهدت المنطقة زيارات متكررة من وزراء وكُتّاب دولة ومسؤولين جهويين آخرها كان في أفريل 2025 حين أعلن كاتب الدولة للمياه أنّ صفقة إنجاز بئر عميقة حارة قد أُسندت، وأن الأشغال ستنطلق قريبًا لكن رغم هذه التصريحات، فإن الأشغال لم تبدأ بعد مع نهاية سبتمبر 2025
عقبات فنية وإدارية
مصالح الفلاحة بقبلي أكدت في تصريحاتها أنها أعلنت طلب عروض عديد المرات لحفر بئر جديدة بعمق يصل إلى 2100 متر
لكن الشركات وخاصة الأجنبية منها عزفت عن المشاركة بدعوى صعوبة الأشغال وكلفتها العالية، مما جعل الأزمة تتواصل بلا حلول عملية
المأساة الإنسانية والاقتصادية
اليوم، يقف أكثر من 375 فلاحًا في جمنة أمام واقع مرير مقاسمهم جفّت، نخيلهم مات أو يلفظ أنفاسه الأخيرة
أسرهم فقدت مورد رزق أساسي كان يؤمن حاجياتها. تحوّلت الواحة من نموذج اقتصادي واجتماعي ناجح إلى رمز للإحباط
وتبقى العتيلات شاهدة على خيبة أمل فلاحي جمنة، ومثالًا صارخًا على إدارة الموارد الطبيعية في الجنوب التونسي، حيث تتكدس الوعود، لكن النخيل يموت عطشًا
تساؤلات مشروعة
فإلى متى ستبقى واحة العتيلات رهينة وعود مؤجلة؟
وهل يُعقل أن تتحول أجمل الواحات العمومية في نفزاوة من مورد رزق وحياة إلى شاهد على العطش والإهمال؟
أليس من حق مئات الفلاحين أن يستعيدوا واحتهم، قبل أن تُطوى صفحة العتيلات نهائيًا من ذاكرة قبلي؟
[wpcd_coupon id=7268]

