تحتل المنتجات المحلية في تونس موقعًا استراتيجيًا في تعزيز الاقتصاد الجهوي، حيث تمثل ركيزة محورية لتحقيق التنمية المستدامة الشاملة. إدراكًا لهذه الأهمية، أطلقت تونس في ماي 2022 أول استراتيجية وطنية للنهوض بالمنتجات المحلية والترويج لها، في مبادرة رائدة تهدف إلى تعزيز الهوية الجهوية واستثمار الموارد الفلاحية والثقافية المتنوعة التي تزخر بها مختلف ولايات البلاد
المنتجات المحلية ليست مجرد سلع زراعية أو صناعات تقليدية، بل هي مرآة لهوية المجتمعات الجهوية وتجسيد حي لتراثها الثقافي والمعرفي. الترويج لهذه المنتجات يفتح آفاقًا جديدة لخلق مواطن شغل، وتنويع مصادر الدخل، وتمكين العاملين في القطاعين الفلاحي والحرفي. كما يسهم في جذب السياحة من خلال تقديم تجارب فريدة تمزج بين الموروث المحلي والابتكار، ما يعزز مكانة تونس كوجهة سياحية ثقافية وغذائية
الاستراتيجية، التي عُرضت تفاصيلها في أكتوبر 2024 خلال ندوة صحفية بقصر المعارض بالكرم، ترتكز على أربعة محاور أساسية: دعم الإنتاج الفلاحي وتحديث المنتجات التقليدية لتواكب المعايير الحديثة، وتطوير قنوات تسويق محلية ودولية تشمل المعارض والتجارة الرقمية، بالإضافة إلى دمج المنتجات المحلية ضمن عروض السياحة التراثية، وأخيرًا تحسين الحوكمة من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص وإنشاء هياكل تنظيمية داعمة لاستدامة المشاريع
وقد تم الشروع في تنفيذ الاستراتيجية بشكل نموذجي في ولايتي القيروان ونابل، باختيار مجموعة من المنتجات الرمزية لكل جهة. في القيروان، تم التركيز على زيت الزيتون الوسلاتي، التين الشوكي، والورد، بينما وقع الاختيار في نابل على الهريسة، زهر البرتقال، والتين الشوكي أيضًا. مكنت هذه التجربة النموذجية من دعم أكثر من 250 فاعلاً محليًا، من منتجين إلى نزل ومطاعم ومحلات للصناعات التقليدية، مما يؤكد فعالية هذا التوجه وقدرته على إحداث أثر اقتصادي حقيقي
رغم النجاحات المسجلة، لا تزال هناك تحديات قائمة تتعلق بتوفير تمويل مستدام، وتحسين البنية التحتية، وبناء قدرات الفاعلين المحليين، وهي مسائل تتطلب استمرارية الدعم والمتابعة. غير أن الرؤية الطموحة لهذه الاستراتيجية تُشير إلى إمكانية تعميم هذا النموذج على كافة الولايات، مما سيُساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني، وتحقيق التوازن التنموي بين الجهات، وجعل تونس نموذجًا ملهمًا في مجال تطوير المنتجات المحلية
إن النهوض بالمنتجات المحلية في تونس ليس مجرد مشروع اقتصادي، بل هو التزام وطني يُعيد الاعتبار للهوية الثقافية، ويخلق تنمية متجذرة في الخصوصيات المحلية، ومستدامة على المدى الطويل
