تُعدّ الصناعات التقليدية في تونس من الركائز الأساسية للهوية الثقافية والاقتصادية، وتمثل فرصة واعدة لتعزيز التنمية الجهوية، خاصة في المناطق الداخلية والريفية التي تعاني من ضعف الاستثمارات وفرص التشغيل. هذا القطاع ليس مجرد نشاط اقتصادي محدود، بل هو فضاء متكامل يدمج بين التراث والمهارة والابتكار، مما يمنحه طابعًا فريدًا يجعله ذا أهمية استراتيجية على الصعيدين المحلي والوطني
في العديد من الجهات، يعتمد السكان تقليديًا على النشاط الفلاحي كمصدر رئيسي للدخل. غير أن الصناعات التقليدية، مثل النسيج اليدوي، الفخار، الخزف، الزربية، والأشغال اليدوية الأخرى، تمثل بدائل اقتصادية واعدة تسهم في تنويع الموارد وتعزيز الاقتصاد المحلي. فهي لا تحتاج إلى موارد طبيعية ضخمة بقدر ما تحتاج إلى مهارات يدوية وإبداع، مما يجعلها ميدانًا مناسبًا لتمكين النساء والشباب بشكل خاص
الاستثمار في الصناعات التقليدية يتيح فرصًا لتقليص البطالة والحد من النزوح نحو المدن أو الهجرة الخارجية، إذ توفر هذه الحرف إمكانية إطلاق مشاريع صغيرة أو متوسطة الحجم قادرة على خلق القيمة في مواطنها الأصلية. كما أن الصناعات التقليدية تُعتبر عنصرًا جاذبًا للسياحة الثقافية، حيث تمثل منتجاتها واجهة حية للتراث التونسي. من خلال تطوير هذه المنتجات والترويج لها في الأسواق الوطنية والدولية، يمكن أن تتحول إلى أحد محركات النمو في المناطق الجهوية
ورغم الإمكانات الكبيرة، لا تزال هذه الصناعات تواجه عدة تحديات، أبرزها صعوبة النفاذ إلى التمويل وضعف منظومة التسويق. إذ تفتقر العديد من المشاريع إلى موارد مالية كافية لتحديث تقنيات الإنتاج أو لتوسيع نشاطها. كما أن غياب الترويج المناسب للمنتجات التقليدية، سواء داخل تونس أو خارجها، يحد من قدرتها على التنافس في الأسواق. ويُضاف إلى ذلك محدودية فرص التدريب والتكوين، مما يعيق التجديد والابتكار ويحافظ على نمطية الإنتاج
من الحلول المطروحة لتجاوز هذه العراقيل، يمكن التفكير في إنشاء تعاونيات مهنية تجمع الحرفيين المحليين، مما يتيح لهم تبادل الخبرات وتطوير الإنتاج الجماعي وتسويقه بشكل أكثر فاعلية. كما يمكن للدولة أن تلعب دورًا أكبر في دعم هذه الصناعات من خلال تسهيل مشاركة الحرفيين في المعارض المحلية والدولية، وتبني برامج دعم وتمويل موجهة لهذا القطاع. إدماج التعليم الحرفي ضمن المناهج الدراسية في المناطق الريفية من شأنه أن يعزز اهتمام الأجيال الشابة بهذه المهن، ويفتح لهم آفاقًا اقتصادية جديدة
تمثل الصناعات التقليدية فرصة حقيقية لتعزيز التنمية المتوازنة والمستدامة، إذ إنها لا تكتفي بالحفاظ على الموروث الثقافي بل تسهم أيضًا في خلق ديناميكية اقتصادية في المناطق الأقل حظًا من التنمية. الاستثمار الذكي والموجه في هذا القطاع يمكن أن يحول الصناعات التقليدية إلى رافد حقيقي للنمو وجهوي للابتكار والتشغيل
[wpcd_coupon id=7268]

