nefzawa.net

الابتكار في القطاع الفلاحي: مفتاح تمكين الشباب وتحقيق الاستدامة

يشهد القطاع الفلاحي في تونس تحوّلًا جذريًا مدفوعًا بقوة الابتكار والتكنولوجيا، خاصة في ظل التحديات المناخية والاقتصادية المتزايدة. فقد سجل الاقتصاد الوطني نموًا بنسبة 1.8% خلال الربع الثالث من سنة 2024 مقارنةً بنفس الفترة من العام السابق، وفقًا لمعهد الإحصاء التونسي، وكان القطاع الفلاحي المحرك الرئيسي لهذا النمو بنسبة مذهلة بلغت 10.6% على أساس سنوي. هذا التعافي اللافت يأتي بعد سنوات من التراجع بسبب الجفاف والتغيرات المناخية، ويعكس قدرة القطاع على التكيف من خلال تبني الحلول الذكية

الابتكار أصبح حجر الزاوية في إعادة هيكلة هذا القطاع الحيوي، خصوصًا لفائدة المنتجين الشباب الذين يشكلون قوة دافعة نحو التغيير. أكثر من 40 مؤسسة ناشئة تونسية في مجال “الفلاحة الذكية” حصلت على علامة “Startup”، وتعمل حاليًا على تطوير حلول تكنولوجية متقدمة تشمل أنظمة الري الذكي، وتقنيات الزراعة المائية، والذكاء الاصطناعي في تتبع المحاصيل. الزراعة المائية تحديدًا أثبتت جدواها من خلال تقليص استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 80%، وهو ما يجعلها وسيلة مثالية لمواجهة الإجهاد المائي والجفاف، وتحقيق الأمن الغذائي في ظل الظروف المناخية القاسية

ومن جهة أخرى، يُظهر تقرير وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية أن مشاريع الفلاحة الذكية تحقق عائدات أعلى بنسبة 20% مقارنة بالمشاريع التقليدية. لا تقتصر فوائد الابتكار على الإنتاج فقط، بل تمتد إلى تعزيز القدرة التنافسية للمنتجات التونسية، سواء داخل السوق المحلي أو على الصعيد الدولي

التحول الرقمي أيضًا يلعب دورًا محوريًا في تعزيز سلسلة القيمة الفلاحية. فالمنصات الرقمية التي يستخدمها المنتجون الشباب اليوم أصبحت وسيلة فعالة لتسويق منتجاتهم مباشرةً إلى المستهلكين أو إلى الأسواق العالمية. وتشير المعطيات إلى أن استخدام هذه المنصات ساهم في رفع المبيعات بنسبة 15% خلال عام واحد فقط، وهو ما يعكس أهمية الرقمنة في تمكين الفلاحين من تجاوز الحواجز التقليدية المرتبطة بالتوزيع والبيع

إضافةً إلى ذلك، توفر التشريعات التونسية الحالية مناخًا مشجعًا للاستثمار في الابتكار الفلاحي. فبموجب قانون الاستثمار عدد 71 لسنة 2016، يتمتع المستثمرون في الفلاحة الذكية بجملة من الامتيازات الجبائية والمالية. كما أن الدولة وشركاءها الدوليين يعملون على تنفيذ برامج دعم وتمويل لفائدة رواد الأعمال الشباب، من خلال تقديم تكوين متخصص وقروض ميسرة ومرافقة فنية

الابتكار أيضًا هو سلاح لمواجهة تحديات الاستدامة، خصوصًا في ظل تعرض نحو 47% من الأراضي الفلاحية في تونس لخطر التآكل والتصحر. في هذا السياق، تمثل تقنيات مثل “إنترنت الأشياء” و”الاستشعار عن بُعد” أدوات فعالة لمراقبة الموارد والتحكم فيها بدقة، ما يسمح بإنتاج محاصيل على مدار السنة، مع الحفاظ على جودة التربة وتقليص استهلاك المياه والطاقة

كل هذه المؤشرات تقود إلى حقيقة واحدة واضحة: الابتكار ليس خيارًا، بل ضرورة استراتيجية لتحويل القطاع الفلاحي إلى محرك فعّال للنمو الاقتصادي المستدام. الشباب التونسي، بخبرته التكنولوجية وروحه الريادية، قادر على قيادة هذا التحول نحو فلاحة أكثر ذكاءً واستدامة، تسهم في تعزيز الأمن الغذائي، وخلق فرص عمل جديدة، ودفع تونس نحو اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار

Scroll to Top