تمثل الثروة الحيوانية في تونس إحدى الدعائم الاقتصادية الأساسية، لا سيما في المناطق الداخلية التي ترتكز بشكل كبير على تربية الماشية كمصدر رئيسي للدخل وفرص العمل. وبحسب المعهد الوطني للإحصاء، بلغ عدد رؤوس الأبقار في تونس 388 ألف رأس سنة 2022، في حين تجاوز عدد الأغنام 4.6 مليون رأس، ما يعكس أهمية هذا القطاع في دعم الاقتصاد المحلي والوطني
في المناطق الداخلية، تحظى تربية الأبقار والأغنام والماعز بمكانة خاصة، حيث تشكل جزءًا من النسيج الاجتماعي والمعيشي للسكان. وهذا التنوع في الثروة الحيوانية يمكن أن يكون قاعدة لانطلاق مشاريع اقتصادية تهدف إلى الحد من البطالة في صفوف الشباب، خاصة في ظل ارتفاع معدلات البطالة وتراجع الفرص الاقتصادية في هذه الجهات. فإقامة وحدات إنتاجية صغيرة أو متوسطة ترتبط مباشرة بتربية الماشية، كالمسالخ الحديثة أو مصانع الألبان، من شأنها أن تحدث حركية اقتصادية محلية وتخلق فرص عمل في قطاعات متعددة مثل الذبح، التعبئة، التوزيع والتسويق
إلى جانب ذلك، يُمكن تحويل الحليب المنتج محليًا إلى مجموعة متنوعة من المنتجات، مثل الأجبان واللبن والزبدة، وهي منتجات ذات قيمة مضافة يمكن أن تسهم في تنمية الصناعات الغذائية الريفية. كما أن استغلال الصوف المتوفر بكميات كبيرة يفتح آفاقًا جديدة لإحياء الصناعات التقليدية، مثل النسيج وصناعة الملابس التراثية، وهو ما يشكل فرصة للحفاظ على الموروث الثقافي إلى جانب خلق فرص عمل في مجالات الحرف اليدوية والترويج السياحي
من جهة أخرى، يمثل دمج الثروة الحيوانية في مشاريع سياحية تعليمية خطوة مبتكرة نحو دعم السياحة الريفية. إذ يمكن للزوار التفاعل مباشرة مع بيئة المزارع وتعلم أساليب تربية الماشية التقليدية والتقنيات الحديثة، مما يعزز من الجاذبية السياحية لتلك المناطق ويخلق وظائف في الإرشاد السياحي والخدمات الفندقي
وتزداد أهمية هذا القطاع حين يرتبط بخدمات مساندة مثل إنتاج الأعلاف وتوفير الرعاية البيطرية، وهما عنصران ضروريان لتحسين صحة الماشية وزيادة إنتاجيتها. الاستثمار في هذه الجوانب لا يضمن فقط تحسين الإنتاج الحيواني، بل يفتح أيضًا مجالات جديدة للعمل، خاصة في قطاع الخدمات الفلاحية الذي يعاني من نقص في الكفاءات المحلية
ورغم هذه الإمكانات الواعدة، لا تزال هناك عوائق حقيقية تحد من تطور هذه المشاريع، من أبرزها صعوبة النفاذ إلى التمويل، نقص التدريب، وضعف منظومات التسويق. ولهذا، تبرز الحاجة إلى توفير برامج تكوين مهني موجهة للشباب، خاصة في مجالات تربية الماشية، إدارة المشاريع الفلاحية، وتقنيات التسويق الحديثة. كما أن تسهيل الحصول على القروض والمنح من خلال مؤسسات تمويل صغيرة أو مبادرات دعم حكومية يمثل عاملًا أساسيًا لتمكين هذه الفئة من الانخراط في الدورة الاقتصادية
إن استغلال الثروة الحيوانية في المناطق الداخلية لا يمثل فقط فرصة لتقليص نسب البطالة، بل هو مسار عملي لتعزيز التنمية المحلية وتنويع مصادر الدخل. ومن خلال دعم المبادرات الفردية والجماعية، وتوفير البيئة المناسبة للاستثمار، يمكن لهذا القطاع أن يتحول إلى رافعة اقتصادية قوية تساهم في تحسين مؤشرات التنمية وتعزيز الاستقرار الاجتماعي في تونس

